الزعبي للغد: التعاونيات الزراعية الكبيرة.. هل تكون حلا لتفتت الحيازات الصغيرة؟

الزعبي للغد: التعاونيات الزراعية الكبيرة.. هل تكون حلا لتفتت الحيازات الصغيرة؟

بين الخبير الدولي في مجال الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، أن القطاع الزراعي الأردني يشهد تحولات هيكلية عميقة، أبرزها تفتّت الملكية الزراعية بشكل متسارع، حيث بات معظم المزارعين يمتلكون أقل من 20 دونماً، فيما يُصنّف المزارع “المتوسط” ضمن فئة من يملك 50 دونماً أو أقل. 

وأضاف إن هذا التغير الناتج عن عوامل متراكمة أبرزها الإرث وتشتت الملكية عبر الأجيال، وهو ما أدى إلى تراجع الجدوى الاقتصادية للزراعة، وجعلها أقل جاذبية للاستثمار، خاصة في ظل غياب أدوات تنظيمية فعالة لتأجير الأراضي أو تسهيل الشراكات الزراعية.

وبحسب تقارير رسمية، ارتفع عدد الحيازات الزراعية الصغيرة من نحو 57,400 عام 1983 إلى أكثر من 91,500 عام 1997، مقابل انخفاض متوسط المساحة لكل حيازة من 64.3 إلى 41.5 دونم، فيما لم تصدر إحصاءات محدثة بعد هذا التاريخ، الأمر الذي يعكس تزايد ظاهرة التجزئة وصغر الحيازات، ويحدّ من تطبيق التقنيات الزراعية الحديثة ويعيق استخدام الميكنة، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وضعف الجدوى الاقتصادية.
وزاد الزعبي أن هذا الواقع ساهم في تسارع الهجرة من الريف إلى المدينة، وارتفاع نسب التحضر في الأردن، ما يهدد التوازن الديموغرافي ويضع ضغوطاً إضافية على المدن والبنية التحتية، ويضعف من قدرة الدولة على تحقيق أمن غذائي مستدام.

وقال إن التعاونيات الحديثة نموذج بديل لإحياء الزراعة، حيث إنه في ظل هذا التحدي، تبرز التعاونيات الحديثة، حتى وإن كانت افتراضية، كحل إستراتيجي لإعادة تنظيم القطاع الزراعي، موضحا أن التعاونيات الإنتاجية والتسويقية لا تقتصر على تجميع صغار المزارعين ضمن كيانات قانونية تعزز قدرتهم التفاوضية، بل توفر منظومة متكاملة تشمل مجلس إدارة مهنيا يمثل مصالح المزارعين، وأذرعا تسويقية تربط المنتج بالسوق مباشرة، ووحدات بحثية وتقنية تواكب التطورات الزراعية، وخدمات التعبئة والتغليف وفق المعايير التصديرية، وقنوات تمويل جماعية لنقل التكنولوجيا وتنظيم الإنتاج.

وبين أن التعاونيات تعمل كمؤسسات وسيطة فاعلة بين المزارع والسوق، وتُمكّن من تنظيم عمليات الفرز والتوضيب والنقل، وتفتح المجال للربط المباشر مع الأسواق المركزية وسلاسل التوزيع الحديثة، بما يعزز القيمة المضافة ويضمن استقرار التسويق.

كما تُعد التعاونيات منصة واعدة لإدماج الشباب والنساء في القطاع الزراعي، من خلال توفير فرص عمل في خدمات ما بعد الحصاد، والتسويق الرقمي، والعمليات اللوجستية، ما يسهم في تنمية المجتمعات الريفية وتمكينها اقتصاديا.

وقال الزعبي إن التنظيم التعاوني يفتح الباب أمام فرص التمويل والدعم من المؤسسات المحلية والدولية، نظراً لما توفره هذه الصيغة من شفافية وفعالية في إدارة الموارد وتوجيه الدعم بشكل جماعي ومنظم، كما أن التعاونيات المنظمة تقدم بيئة مؤسسية مؤهلة للحصول على منح وحوافز خاصة من الحكومة والجهات الداعمة.

وزاد بأن إطلاق تعاونيات إنتاجية وتسويقية مجمّعة، مدعومة بإطار تشريعي وتنظيمي واضح، يمثل خطوة حاسمة نحو إحداث تحوّل نوعي في آلية تنظيم الإنتاج والتسويق الزراعي، ويعيد الاعتبار للزراعة كمهنة منتجة ومجتمعية، ويضع الأردن على طريق الزراعة الذكية والتنمية الريفية المستدامة.