مؤشرات تكشف أزمة الأجور وضرورة التدخل

مؤشرات تكشف أزمة الأجور وضرورة التدخل

بقلم: د فاضل الزعبي

لا تكفي البيانات الرسمية وحدها لتفسير الضغوط التي يعيشها المواطن يوميًا، لكن مؤشر القوة الشرائية المحلية

 (Local Purchasing Power Index-LPPI)،

Numbeoوفق بيانات منصات مثل،

 يقدم صورة أوضح وأكثر صراحة. ففي عمّان، لا يتجاوز المؤشر 41.45% الان مقارنة بالمدينة المرجعية، ما يعني أن دخل المواطن الأردني لا يغطي سوى أقل من نصف ما يغطيه دخل نظيره هناك. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء اقتصادي، بل انعكاس مباشر لمعاناة آلاف الأسر التي تجد نفسها محاصرة بين رواتب محدودة وأسعار متصاعدة.

المعادلة في الأردن واضحة: متوسط راتب الموظف الذي يتراوح بين 600 و700 دينار يذهب معظمه لتغطية تكاليف السكن والغذاء والمواصلات، تاركًا المواطن في حلقة مفرغة بالكاد تكفي لتأمين الأساسيات، دون قدرة على الادخار أو تحسين مستوى المعيشة. هذه الفجوة بين الأجور والأسعار هي جوهر الأزمة، وهي التي تجعل من المؤشر أداة كاشفة لواقع اقتصادي واجتماعي ضاغط.

وعند المقارنة مع المنامة مثلا ، يظهر التباين بوضوح. فالمؤشر هناك يتجاوز 60 نقطة،(وهذا مؤشر عمان عام 2018) ما يعكس قدرة شرائية أعلى بكثير، حيث يتمتع المواطن البحريني برواتب أفضل وأسعار أقل نسبيًا من مدن خليجية أخرى، ما يمنحه هامشًا للادخار والإنفاق على الكماليات. أما المواطن الأردني، فيظل أسير معادلة غير متوازنة، حيث الأسعار ترتفع بوتيرة أسرع من الأجور.

وإذا توسعنا إلى القاهرة، نجد أن المؤشر لا يتجاوز 20–22 نقطة، وهو ما يعكس واقعًا أكثر صعوبة. فرغم انخفاض الأسعار مقارنة بعمّان، إلا أن الأجور المتدنية تجعل القوة الشرائية للمواطن المصري أضعف بكثير. هذا يضع المواطن الأردني في موقع وسط: أفضل من نظيره المصري، لكنه بعيد عن مستوى الراحة الذي يتمتع به المواطن البحريني.

لا تقتصر أهمية المؤشر على قياس مستوى المعيشة، بل تتعداه ليكون أداة أساسية للمستثمرين. فالشركات الأجنبية التي تدرس دخول السوق الأردني أو التوسع فيه تعتمد على هذا المؤشر لتقدير تكلفة الأجور الحقيقية وتحديد الرواتب المناسبة للموظفين المحليين. كما يساعدها على تقييم حجم السوق الاستهلاكي وقدرته على استيعاب منتجات جديدة. انخفاض المؤشر يعني سوقًا ضعيفة القدرة الشرائية، ما قد يحد من جاذبية بعض القطاعات، بينما ارتفاعه بفضل سياسات رفع الأجور أو دعم السلع يرسل إشارة إيجابية بأن السوق الأردني أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمار.

تشير التقديرات إلى أن التكاليف الشهرية لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد في عمّان تبلغ نحو   1,906  دنانير أردنية (باستثناء الإيجار)، بينما يحتاج الفرد الواحد إلى ما يقارب 528  دينارًا شهريًا لتغطية احتياجاته الأساسية. ورغم أن هذه الأرقام أقل بكثير من مدن عالمية كبرى مثل نيويورك – حيث تُعد عمّان أرخص بنسبة 58.5% من حيث تكاليف المعيشة، والإيجارات أقل بنحو 89.9% – إلا أن الصورة ليست بهذه البساطة. فالمشكلة لا تكمن في الأسعار وحدها، بل في ضعف الأجور مقارنة بتكاليف الحياة.

هذه المؤشرات تكشف بوضوح أن القوة الشرائية هي التحدي الحقيقي، وليست الأسعار المطلقة. فحتى لو كانت عمّان أقل تكلفة من نيويورك، فإن الفارق في الأجور يجعل المواطن الأردني يشعر بعبء أكبر. ومن هنا، يصبح الحديث عن رفع الأجور وربطها بمستوى الأسعار ضرورة اقتصادية واجتماعية، وليس مجرد مطلب نقابي. كما أن دعم السلع الأساسية يظل أداة مهمة لحماية الفئات محدودة ومتوسطة الدخل من الانزلاق نحو الفقر.

إن قراءة هذه المؤشرات بعمق تضع صانع القرار أمام مسؤولية واضحة: فالقوة الشرائية ليست مجرد رقم في تقرير اقتصادي، بل هي انعكاس مباشر لكرامة المواطن واستقرار المجتمع، وأساس لأي تنمية مستدامة في الأردن. ومن هنا، فإن تجاهل هذه الأرقام يعني ترك المواطن يواجه وحده معركة غير متكافئة مع تكاليف المعيشة، بينما التعامل معها بجدية يعني الاعتراف بأن رفع الأجور ودعم السلع لم يعد خيارًا سياسيًا أو اقتصاديًا، بل ضرورة اجتماعية لضمان الاستقرار.

المصدر: https://www.numbeo.com/cost-of-living/in/Amman